سؤال يتبادر إلى أذهان الكثير من الليبيين، حين يفكر الواحد منهم في مدى معاناته اليومية خلال مختلف أنشطته، ليقول: لماذا ليبيا؟! لماذا تعاني الدولة الغنية بالنفط والمعادن، والمطلة على المتوسط، وذات المساحات الجغرافية الواسعة؛ لماذا؟!
ولربما يستغرب قارئ هذه الكلمات التساؤل حين يعلم أن ليبيا واحدة من أغنى دول شمال أفريقيا والمتوسط، بيد أن تسليط المجهر على شيء من واقع الشارع الليبي قد يزيل عنه هذا اللبس، ويجعله يتفهم تساؤل أبناء هذه البلاد.
فالركن الركين لأي دولة، وهو الأمن غائب تماما عن ليبيا منذ أكثر من عقد كامل من الزمان، فبعد الانتفاضة الليبية عام 2011 وإسقاط النظام السابق، دخلت البلاد في غياهب المجهول، ولم تتمكن حتى اللحظة من تنظيم صفوفها عسكريا، وبسط النظام أمنيا، ما أسفر عن انتشار فوضى السلاح، وتنوع التشكيلات المسلحة العشوائية، ووحده المواطن من يدفع الثمن غاليا.
فراغ أمني وضحايا في مكان، هذا هو نتاج الصراع السياسي على السلطة التي تسبب الطامعون بها في انقسام البلاد، ومؤسساتها، وإعطاء مساحة كبيرة للتدخلات الأجنبية، وارتهان ليبيا لأطراف متعددة لا ترغب في تركها وشأنها، بل تستخدمها ورقة ضغط تارة، وساحة للصراعات تارة أخرى، ليصبح مصير دولة في يد دخلاء عليها، دون لحمة وطنية تعيد السيادة لأهلها.
إذا غاب الأمن وباتت السياسة رهنا للخارج، فلا تسأل عن اقتصاد الدولة، فهو الضحية الأولى، وانهياره نتاج أي خلل في السلطة، وأولى مظاهر الفساد فيها، وفي ليبيا للفساد اليد العليا، بشتى صنوفه وأنواعه، بدءا من أعلى هرم السلطة ونزولا عند أبسط المعاملات، الأمر الذي ألقى بظلاله على السياسة الاقتصادية لليبيا لتبدأ احتياطيات البلاد في التراجع، مع ارتفاع متواصل للدين الداخلي، في ظل انحسار الإيرادات في النفط والغاز، وعدم وجود أي موارد أخرى للدخل.
الصحة كذلك غابت عن الليبيين الذين لم يكن حالهم بعد الانتفاضة أفضل مما هو قبلها، فالفساد طال القطاع الصحي بشكل مفزع، والأرقام تشهد بذلك، فالميزانيات ظلت تُصرف لسنوات دون وجود شيء على أرض الواقع، فلا بنية تحتية، ولا كوادر مؤهلة في كل المدن الليبية، فضلا عن عدم صرف مرتبات الأطباء الذين قرر طيف كبير منهم الهجرة إلى دولة يجدون فيها بيئة عمل أفضل.
غيض من فيض، وقليل من كثير، هكذا يمكن أن يقال عن الأسطر الماضية التي لا تعدو كونها “نفثة مصدور” وقطرة في بحر ما تشهده ليبيا بلد البترول، والرقعة الجغرافية الواسعة، والإمكانيات اللامتناهية، فهل بات مقتنعا الآن أن نسأل أنفسها: لماذا ليبيا؟
مناقشة حول هذا post