لا يزال ملف النفط الليبي يشغل الساحة المحلية والدولية، ويتصدر هذا المشهدَ الإشكاليةُ الحاصلة حيال قانونية تكليف حكومة الدبيبة لمجلس إدارة جديد للمؤسسة الوطنية للنفط برئاسة فرحات بن قدارة، وتنحية الرئيس السابق مصطفى صنع الله.
فقد قررت محكمة استئناف جنوب طرابلس تأجيل النظر في الطعن المقدم من قبل مصطفى صنع الله رئيس مجلس الإدارة المقال من الدبيبة، ضد قرار إقالته إلى جلسة الأربعاء القادم.
ومع تأجيل النطق بالحكم والقول الفصل في الخلاف الحاد حيال من يترأس المؤسسة النفطية، تظل كل الاحتمالات واردة، غير أن التساؤل الأكبر سيرد في حال حُسمت لصالح صنع الله؛ فهل ستتيح له حكومة الدبيبة العودة لممارسة مهامه من مقر المؤسسة وسط العاصمة طرابلس؟
وكيف سيكون مصير الصفقة السياسية المبرمة بين الدبيبة وصدام حفتر، والتي على إثرها أُعلن فتح الحقول النفطية، وتغير مجلس إدارة الوطنية للنفط؟ وكيف سيتعامل المجتمع الدولي مع كل هذه المتغيرات؟ جميعها تساؤلات ستتضح أجوبتها مع الأيام القادمة.
الدبيبة والنفط
من صراع مؤسسة النفط إلى التصريحات التي أثارت الجدل لمحمد حمودة الناطق باسم حكومة الدبيبة في جلسة خاصة تحت عنوان: “مستقبل دول البحر المتوسط من منظور ليبي” والتي عُقدت بمجلس الشيوخ الايطالي في روما، ذكر حمودة خلالها أن حكومته مستعدة للوصول بالإنتاج إلى 3 ملايين برميل يوميا، وفق قوله.
تصريحات أثارت استغرابا كبيرا داخل الوسط العلمي، وبين المهتمين بقطاع الطاقة والنفط، فقد قال الناشط والمتابع للشأن الاقتصادي المحلي عمر معتوق، إن ما صرح به حمودة “مستحيل”.
معتوق أفاد، عبر حسابه على فيسبوك، أنه “حتى في حال افتراض أن المنشآت النفطية في البلاد لم تتعرض لأي أضرار مطلقا؛ فإن الاقتراب من إنتاج 3 ملايين برميل أمر مستبعد تماما من الناحية الفنية”.
واستدل معتوق لحديثه بأن ليبيا وفي أفضل أحوالها كان أكبر رقم صدّرته من النفط هو مليون و800 ألف برميل في أعلى ذروة من الإنتاج، مردفا بالقول: “ووضع المنشآت الآن في أسوأ أحوالها من الحروب والإغلاقات وتوقف الصيانات الكبرى”.
وأوضح معتوق أنه لا يمكن إنتاج هذا الرقم، أيضا لأن ليبيا محكومة بقوانين منظمة الأوبك التي تعد ليبيا أحد أعضائها، وحصتها مليون و600 – 700 ألف برميل يوميا في الأوضاع الطبيعية قبل أن تُعفى ليبيا من قيودها نتيجة لأوضاع البلاد، وعليه فإن حديث حمودة لا يعدو كونه “كلاما فضفاضا”.
خطورة الإنتاج دون خطط
وعلى افتراض صحة حديث حمودة، يرى المحلل الاقتصادي نور الدين حبارات أن زيادة إنتاج النفط دون أن ترافقه خطط واستراتيجيات تضمن الاستفادة من عائداته من خلال النهوض بالاقتصاد وتنويع مصادر الدخل؛ فإنها ستتحول إلى عبء كبير على الاقتصاد الوطني وعلى أوضاع المواطنين.
ولعلّ حمودة حاول أن يقنع الرأي العام بقدرة ليبيا على إنتاج كميات ضخمة عبر إعلانات الاستئناف المتكررة من الشركات النفطية المحلية، والتي أكدها وزير النفط والغاز بحكومة الدبيبة محمد عون الذي صرح لوكالة بلومبيرغ بأن إنتاج ليبيا من النفط الآن تجاوز المليون برميل يوميا.
وهو ما يراه خبراء نفطيون أمرا غير متوقع فنيا؛ نظرا لما يترتب على الإغلاقات النفطية القسرية وغياب الصيانات الدورية من تبعات على الحقول ومكامن الإنتاج، والتي تحتاج معها إلى توقيت تدريجي لعودة الإنتاج، وهو ما يتنافى مع العودة المفاجئة و”القوية” لإنتاج النفط الليبي عقب تسلّم فرحات بن قدارة مقر المؤسسة الوطنية للنفط كرئيس للمؤسسة.
تسييس القطاع
ويعيد هذا الجدل حول حقيقة الإنتاج وقدرة ليبيا على إنتاج كميات كبيرة من النفط الحديث عن تسييس القطاع إلى الواجهة، وهو ما دفع العديد من المسؤولين الدوليين إلى التعبير عن مخاوفهم في هذا الصدد.
المبعوث الإيطالي إلى ليبيا نيكولا أورلاندو شدد، خلال مكالمة مع رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا، على ضرورة استخدام الموارد الوطنية بطريقة شفافة وعادلة، في رسالة واضحة على وجود خطب ما فيما يتعلق بالتغيير الأخير في مؤسسة النفط.
فيما أكد ممثل الولايات المتحدة بمجلس الأمن ريتشارد ميلز، خلال الجلسة الأخيرة للمجلس، أنه من المهم عدم تسييس مؤسسة النفط وإدارة عائداتها بشكل عادل وشفاف.
وحذر ميلز من استخدام عوائد النفط لزيادة الوجود العسكري في المدن وزعزعة الاستقرار، مطالبا المجتمع الدولي بأن يكفل استئناف إنتاج النفط، مع ضمان المحافظة على نزاهة مؤسسة النفط.
بينما شدد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي على أن استعادة إنتاج النفط في ليبيا يجب ألا تتعارض مع التسوية السياسية.
وناشدت ممثلة المملكة المتحدة في مجلس الأمن باربارا وودوورد الأطراف الليبية الامتناع عن تسييس مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة الوطنية للنفط، مشددة على أنه يجب ألا يأتي استئناف النفط على حساب سلامة وسيادة المؤسسة الوطنية أو يرهن تقدم ليبيا في سبيلها للاستقرار، حسب تعبيرها.
تصريحات ومطالبات تأتي في وقت حرج تشهد فيه البلاد مخاضا سياسيا يأمل الليبيون ألا يطال المصدر الوحيد لدخلهم، عبر استغلاله من قبل الساسة في صفقاتهم التي يسعون من خلالها للبقاء أطول وقت ممكن.