لم تكن الاشتباكات التي اندلعت في العاصمة طرابلس نتاجا لصراع سياسي داخلي فحسب، بل كشفت هذه الأزمة عن المواقف الدولية حيالها والتي من الواضح أنها لم تصل إلى انسجام ينعكس إيجابا على الملف الليبي، بل ما زال التغير سمة لها، ولكن ما أسباب هذا التغير؟ وهل يمكن أن نرى تبنيا لمواقف جديدة كليا؟.
تغير في الموقف الأمريكي
الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى لسان سفيرها ومبعوثها إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، أدانت تصاعد العنف الذي شهدته طرابلس، داعية إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى محادثات تيسّرها الأمم المتحدة بين الأطراف المتصارعة.
وقال نورلاند: “لقد استمرّ الجمود السياسي لفترة طويلة جدًا، وقبل أن تزداد الأمور سوءًا، من الضروري وقف تصعيد المواجهة في طرابلس، وتقريب وجهات النظر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وتحديد موعد مبكر لها”.
وأضاف البيان: “لكافة الشخصيات القيادية الليبية دور عاجل تلعبه في هذه العملية، وندعوها في هذا الوقت إلى وضع مصالح الشعب الليبي أولاً”.
ويبدو هذا البيان من السفير الأمريكي تراجعا عن بيانه السابق في 16 أغسطس الجاري، الذي دعا فيه حكومة الدبيبة حصرا إلى مواصلة التعاطي مع المؤسسات الليبية لتمهيد الطريق نحو الانتخابات، فما الواقع الذي تغير ليدعو نورلاند هذه المرة كل الأطراف على حد سواء لإجراء الانتخابات؟
بريطانيا تقف على مسافة واحدة من الجميع
المملكة المتحدة دعت إلى الوقف الفوري للعنف في طرابلس، وأدانت، في بيان لسفارتها لدى ليبيا، أي محاولات للاستيلاء على السلطة “أو الحفاظ عليها بالقوة” مشددة على أن حماية المدنيين أمر بالغ الأهمية.
فهل يُعد هذا البيان تراجعا تاما من قبل المملكة المتحدة عن دعمها لحكومة الدبيبة؟ غير أنها هذه المرة تلوح برفضها للاستمرار في السلطة بالقوة، فهل لاشتباكات طرابلس دور في هذا الموقف الجديد؟
ويرى باحثون سياسيون أن الأحداث التي شهدتها البلاد أكدت التحذيرات المتوالية من مآلات تشبث الدبيبة بالسلطة ورفض التسليم بشكل سلمي للحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، وانعكاس ذلك على الأوضاع على الأرض، وهو ما قد يكون المؤثر الأول في تغير الموقفين الأمريكي والبريطاني من حكومة الدبيبة، ودعوة الجانبين إلى التسريع بإجراء الانتخابات.
الأمم المتحدة تصدر بيانا “رماديا”
كعادتها أبدت الأمم المتحدة قلقها مما يحدث في طرابلس، حاثة الأطراف الليبية على الدخول في حوار حقيقي لمعالجة المأزق السياسي الحالي وعدم استخدام القوة لحل خلافاتهم.
وقالت في بيان للمتحدث باسمها ستيفان دوجاريك: ” وتظل الأمم المتحدة على استعداد لتقديم المساعي الحميدة والوساطة لمساعدة الأطراف الليبية على إيجاد مسار للخروج من المأزق السياسي الذي يهدد بشكل متزايد الاستقرار في ليبيا الذي تحقق بشق الأنفس”.
وفسّر دبلوماسيون غربيون بيانات الأمم المتحدة “الرمادية” بأنها انعكاس لحالة الخلاف الحاد داخل مجلس الأمن حيال الملف الليبي؛ نتيجة لصراع النفوذ التي تخوضه عدد من الدول، ما يجعل من التوافق بين دول مجلس الأمن أمرا صعب المنال.
ويتضح هذا الخلاف في عدم قدرة الأمم المتحدة على تسمية مبعوث لها في ليبيا سلفا ليان كوبيتش حتى الآن، إلى جانب انتهاء مدة عمل ستيفاني وليامز كمستشارة للأمين الأمم بشأن ليبيا وعدم التجديد لها، واستمرار الخلاف حول من يشغل قيادة البعثة.
خلاف دولي يدفع الأطراف الليبية إلى ضرورة إيجاد حل وطني يقود البلاد نحو انتخابات تجدد الشرعية من خلالها، وتنهي الحكم بالقوة، وحكم العائلة، وتذهب بليبيا نحو المنزلة التي يطمح لها الليبيون.
مناقشة حول هذا post