صدر تقرير وزارة الخارجية الأمريكي السنوي لحقوق الإنسان حيث اعتمد في عدد كبير من رصده على لجان التقصي التابعة للأمم المتحدة في ليبيا كاشفا العديد من الخروقات والتجاوزات التي سجلت في عدة قطاعات أمنية وقضائية وحكومية دفع فيها المواطنون الليبيون والأجانب ثمنا للنزاع السياسي العسكري وما نتج عنه من انقسام سياسي أذكى هذه التجاوزات وتركها منيعة ضد الإدانة والملاحقة محليا ودوليا
انتهاكات جسيمة ضد المدنيين واللاجئين
تحدث التقرير عن معلومات موثوقة عن عمليات قتل غير قانونية أو تعسفية على أيدي جماعات مسلحة مختلفة منها الاخفاء القسري والظروف القاسية والمهددة للحياة في السجون ومشاكل خطيرة مع استقلال القضاء ، كما تم تسجيل انتهاكات جسيمة في النزاع الداخلي منها قتل المدنيين وتجنيد الأطفال وفرض قيود خطيرة على حرية التعبير والإعلام ، بما في ذلك العنف ضد الصحفيين.
وأوضح التقرير رصد إعادة قسرية للاجئين وطالبي اللجوء والاتجار بالأشخاص؛ والتهديدات بالعنف التي تستهدف الأقليات العرقية والأجانب وفرض قيود على الحق في الإضراب وتواجد فساد حكومي خطير في الملف، وقد اتخذت الحكومة خطوات محدودة للتحقيق والملاحقة ومعاقبة المسؤولين الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال فساد في نطاق وصولها بسبب الاعتبارات السياسية.
السجون ومراكز الاحتجاز
أوضح التقرير الأمريكي أن كثيراً من السجون ومراكز الاحتجاز كانت مكتظة، وكانت الظروف قاسية وتهدد الحياة ، ولا تفي بالمعايير الدولية، وخارج سيطرة حكومة الوحدة الوطنية وتحتاج إلى إصلاحات في البنية التحتية، وتعاني من سوء التهوية، وانقطاع الكهرباء والمياه، وأفادت وكالات الأمم المتحدة أن سوء التغذية كان يمثل خطرا في بعض السجون ومراكز الاحتجاز ، ولا سيما في مرافق جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية التي لم تحصل على ميزانية غذائية.
وأضاف التقرير أنه بين أغسطس وسبتمبر الماضيين قدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن هناك 12300 شخص محتجز في 27 منشأة تحت إشراف وزارة العدل، كما قدرت المنظمة الدولية للهجرة أن هناك 4564 شخصًا محتجزين في مرافق جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية وربما الآلاف من المهاجرين الآخرين المحتجزين في منشآت غير قانونية وغير رسمية.
انتشار الأمراض المعدية بين السجناء
جاء التقرير على الوضع الصحي للسجناء والمحتجزين حيث ذكر أن كثيرا منهم تمت إصابتهم بالأمراض المعدية، بما في ذلك السل والجرب وفيروس الإيدز، حيث كانت مراكز الاحتجاز ومعظم السجون تفتقر إلى وحدات صحية.
وضع النساء في مراكز الاحتجاز والسجون
ذكر التقرير الأمريكي أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا سجلت 400 امرأة محتجزات في السجون سبتمبر الماضي واجهن ظروفًا لا تفي بالمعايير الدولية الدنيا وتلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقارير عديدة عن تعرض نساء للدعارة القسرية في السجون أو مرافق الاحتجاز في ظروف ترقى إلى مستوى العبودية الجنسية.
الاعتقال التعسفي أو الاحتجاز
كانت هناك تقارير مستمرة من قبل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وجماعات حقوق الإنسان عن الاحتجاز المطول والتعسفي للأشخاص المحتجزين في السجون ومراكز الاحتجاز حيث ذكرت هيومن رايتس ووتش أن عددا كبيرا غير محدد من الأشخاص المحتجزين في مثل هذه السجون ومراكز الاحتجاز تم احتجازهم بشكل تعسفي لفترات تزيد عن العام، وقامت الجهات الفاعلة غير الحكومية باحتجاز الأشخاص بشكل تعسفي ودون سلطة قانونية في منشآت غير مرخصة وغير مصرح بها، بما في ذلك مواقع غير معروفة، لفترات طويلة وبدون توجيه اتهامات قانونية.
عمليات قتل ضد المشتبه بارتكابهم انتهاكات حقوق الإنسان
أفادت “البعثة المستقلة لتقصي الحقائق” بشأن ليبيا أن عملاء الدولة أو المنتسبين إليها يستخدمون بشكل روتيني عمليات القتل خارج نطاق القضاء كوسيلة لمعاقبة أو إسكات “الأفراد المشتبه في ضلوعهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” وقد تحملت وزارة الداخلية ووزارة العدل ومكتب النائب العام مسؤولية التحقيق في مثل هذه الانتهاكات ومتابعة الملاحقات القضائية ، لكنهم كانوا إما غير قادرين أو غير راغبين في القيام بذلك في معظم الحالات بسبب نقص الموارد أو القيود السياسية ومن الصعب التأكد من دور الحكومة في الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة.
تهديد القضاة وتجاوز اختصاصات القضاء العسكري على المدنية
أكد التقرير أنه على الرغم من أن الإعلان الدستوري لعام 2011 يعترف بالحق في الاستعانة بمحام ، إلا أن معظم المعتقلين لم يحصلوا على كفالة أو محام. وقد احتجزت السلطات الحكومية والجماعات المسلحة المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي لفترات غير محدودة في مراكز اعتقال رسمية وغير رسمية.
كما ذكر أن آلاف المعتقلين لم يتمكنوا من الوصول إلى المحامين والمعلومات المتعلقة بالتهم الموجهة إليهم وفي بعض الحالات عُقدت المحاكمات دون جلسات استماع علنية، وأشار القضاة والمدعون العامون الذين يواجهون التهديدات والترهيب والعنف ونقص الموارد، إلى مخاوف تتعلق بانعدام الأمن العام في المحاكم وحولها في أجزاء مختلفة من البلاد
كما أفادت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنها وثقت العديد من القضايا، خاصة في الشرق ، حيث نظرت السلطات القضائية العسكرية في القضايا التي عادة ما تخضع لاختصاص المحاكم المدنية، فقد اعتقلت قوات خليفة حفتر مصورا صحفيا وفرضت عليه محكمة عسكرية حكما بالسجن لمدة 15 عامًا لانتمائه إلى قناة وصفت بالمعادية.
وبحسب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، فإن هذه المحاكمات لم تستوف المعايير الدولية. كما تلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقارير عن الحرمان غير القانوني من الحرية وإصدار أحكام من قبل محاكم تعمل خارج الحدود القانونية الوطنية والدولية.
الحرمان من المحاكمة العادلة
لم تحترم الجهات الحكومية وغير الحكومية الحق في محاكمة عادلة وفق هذه المعايير فقد وردت عدة تقارير عن أفراد حرموا من محاكمات عادلة وعلنية ، واختيار المحامي ، أو الترجمة اللغوية ، والقدرة على مواجهة الشهود ، والحماية من الشهادات أو الاعترافات القسرية ، والحق في الاستئناف، ووفقًا لتقارير المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية ، فإن الاحتجاز التعسفي والتعذيب على أيدي الجماعات المسلحة ، بما في ذلك تلك التي تعمل اسميًا تحت إشراف الحكومة ، ساهمت في مناخ من الفوضى التي جعلت المحاكمات العادلة بعيدة المنال.
السجناء والمعتقلون السياسيون
احتجزت الجماعات المسلحة التي كان بعضها اسميًا تحت سلطة حكومة الوحدة الوطنية ، أشخاصًا لأسباب سياسية، ولا سيما مسؤولي نظام القذافي السابق وغيرهم ممن اتهموا بتخريب ثورة 2011، في مجموعة متنوعة من المنشآت المؤقتة بسبب عدم وجود رقابة دولية، لم تكن هناك إحصاءات موثوقة عن عدد السجناء السياسيين.
الإجراءات القضائية المدنية وسبل الانصاف
لم يكن لدى النظام القضائي القدرة على تزويد المواطنين بإمكانية الوصول إلى سبل الانصاف المدنية لانتهاكات حقوق الإنسان وينص القانون على تقصي الحقائق والمحاسبة والتعويضات للضحايا ، لكنه لم ينفذ وشكّل انعدام الأمن والتخويف من قبل الجماعات المسلحة تحديا لقدرة السلطات على تنفيذ الأحكام حتى لو برأت المحكمة شخصًا تحتجزه جماعة مسلحة ، فليس لهذا الشخص الحق في رفع شكوى جنائية أو مدنية ضد الدولة أو الجماعة المسلحة ما لم تسببت مزاعم “ملفقة أو كاذبة” في الاحتجاز.
المقابر الجماعية
تم اكتشاف ما لا يقل عن 4 مقابر جماعية في ترهونة ومناطق جنوب طرابلس ، التي كانت تحت سيطرة القوات المتحالفة مع قوات حفتر، بما في ذلك ميليشيا الكانيات ، من أبريل وحتى يونيو من العام 2020، وقامت هيئة البحث والتعرف على الأشخاص المفقودين بالكشف عن رفات ما لا يقل عن 200 شخص بما في ذلك النساء والأطفال، كما كشفت أن لديها قائمة تضم 3650 شخصًا مفقودًا في جميع أنحاء البلاد ، بما في ذلك 350 فردًا في ترهونة.
لا تحقيق في المفقودين إبان نظام القذافي وثورة 2011
تحدث التقرير عن العديد من حالات الاختفاء التي حدثت خلال نظام القذافي وثورة 2011 وفترة ما بعد الثورة ظلت دون تحقيق. بسبب سنوات من الصراع ، والنظام القضائي الضعيف ، والغموض القانوني فيما يتعلق بالعفو عن القوات الثورية ، لم تحرز السلطات أي تقدم ملموس في حل القضايا البارزة. أفاد المسؤولون الذين شاركوا في توثيق الأشخاص المفقودين ، واستعادة الرفات البشرية ، ولم شمل العائلات بأنهم يعانون من نقص التمويل. قدرت اللجنة الدولية للمفقودين أن هناك ما بين 10000 و 20000 شخص مفقود في البلاد يعود تاريخها إلى عهد القذافي.
مناقشة حول هذا post