خلافات قانونية في انتخاب رئيس جديد للمجلس الأعلى للدولة تسيطر على المشهد العام وسط مخاوف من انقسام المؤسسة الوحيدة المنتخبة التي لم يضربها “تسونامي الانقسام” إلى جسمين كعادة المؤسسات بين شرق ليبيا وغربها.
فهل دخل مجلس الدولة على خط الانقسام دون رجعة؟ وما تأثير ذلك على المشهد السياسي والانتخابات؟
وأمس الثلاثاء، عقد المجلس الأعلى للدولة جلسة انتخاب مكتب رئاسة المجلس من ثلاثة مترشحين، هم رئيس المجلس الحالي محمد تكالة، ورئيس المجلس السابق خالد المشري، ورئيس اللجنة القانونية بالمجلس عادل كرموس.
ووسط اشتداد المنافسة لم يحسم المجلس الأعلى للدولة اختيار رئيسه من الجولة الأولى، وتوزّعت الأصوات بين تكالة الذي حصل على 67 صوتاً، والمشري على 54 صوتاً، وكرموس على 17 صوتاً، من أصل 139 عضوا شاركوا في الجلسة، ما جعل المنافسة تنحصر في الجولة الثانية بين تكالة والمشري.
وفي الجولة الثانية المثيرة للجدل، حصل المشري على 69 صوتا، مقابل حصول تكالة على 68 صوتا، إلا أن خلافا ثار بين الأعضاء حول صحة ورقة أحد المصوتين بسبب احتوائها على مخالفة لشروط التصويت.
جدل انقسم به أعضاء المجلس خلال الجلسة، بين مطالبين بإبطال الورقة لأن المصوت كتب اسم المرشح على ظهر الورقة وليس على وجهها المخصص لكتابة اسم المرشح، واعتبروا ذلك مخالفا للائحة المجلس الداخلية بشأن شروط التصويت، ، فيما طالب البعض الآخر، ومن بينهم تكالة، بإعادة التصويت.
واستند المطالبون بإبطال ورقة التصويت التي كُتب فيها اسم المرشح على ظهر الورقة إلى الفقرة الثانية من المادة 97 من لائحة المجلس، التي تنص على إلغاء أي ورقة للتصويت تتضمن “علامة تعريف أو تمييز من أي نوع كانت”، معتبرين أن المصوت أراد بالكتابة خلف الورقة إشارة إليه وتعريفا به.
وفي غضون الجدل أنهى تكالة البث المباشر لنقل جلسة التصويت والذهاب إلى عقد جلسة تشاور مغلقة لحسم الخلاف، قبل أن يعود للإعلان عن وقف الجلسة وإحالة الخلاف حول نتيجة التصويت إلى القضاء للبت فيه.
بالمقابل، أكد خالد المشري أنه الرئيس الفعلي لمجلس الدولة رافضا أي تصعيد وأنه سيمارس مهامه من اليوم، لافتا إلى أن المحكمة العليا ليس من اختصاصها الفصل في مثل هذه الإجراءات والأمر من اختصاص اللجنة القانونية بالمجلس فقط.
وعن الورقة الجدلية، قال خالد المشري إن ورقة التصويت التي حدث حولها الجدل كتب عليها من الخلف وهذه علامة مميزة مخالفة للائحة الداخلية، لافتا إلى أن مراقب تكالة وافق على رفض الورقة في الأول وثم تراجع بعد نهاية التصويت، وأن تكالة رفض اللجوء إلى اللجنة القانونية لأن رئيسها ترشحه ضده.
وتابع الرئيس الفائز برئاسة مجلس الدولة خالد المشري بأن إحالة تكالة الخلاف على الورقة الملغية على القضاء على الرغم من معرفته المسبقة بعدم اختصاص القضاء بهذا النزاع ما هو إلا محاولة لكسب الوقت، وأن اللائحة الداخلية للمجلس تنص على اختصاص اللجنة القانونية للمجلس بحل هذ النزاع، وأن إعلان تكالة تأجيل جولة الانتخابات إلى يوم 20 أغسطس هو إعلان باطل صادر عن غير ذي صفة.
وأكد المشري أن الجميع شاهد عملية التصويت والتي فاز فيها بـ 69 صوتا مقابل 68 صوتا لتكالة بحضور مراقبين ممثلين عن المرشحين أمام صناديق الاقتراع، مشيرا إلى أن تكالة لم يعد رئيسا للمجلس حتى يدعو إلى عقد جلسة أو غير ذلك.
قانونيا، قال عضو مجلس الدولة واللجنة القانونية بالمجلس عمر بوليفة، إنه بالنظر إلى لائحة النظام الداخلي للمجلس تعد ملغاة كل ورقة تتضمن أسماء يفوق عددها المراكز المحددة في الاقتراع أو علامة تمييز أو تعريف من أي نوع كانت.
وأفاد بوليفة بأن الكتابة في غير المكان المطلوب والمعروف أيا كانت أسبابه ودواعيه يجعل الورقة خالية من البيان المطلوب ومن ثم تعد ورقة بيضاء.
وأوضح بوليفة أن الكتابة على ظهر الورقة سواء كان عمدا أو سهوا يمثل علامة تمييز لها قد يجعل منها شفرة خاصة تؤكد الاقتراع لصالح المترشح وتهتك حجاب السرية التي تمثل ذروة سنام العملية الانتخابية.
وناشد عضو مجلس الدولة واللجنة القانونية بالمجلس عقلاء المجلس ألا يسمحوا بانزلاقه إلى هاوية الفتنة وأن يعمدوا فورا إلى رأب الصدع قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة إلى مآلات مجهولة لا يحمد عقباها، وربما تكون وبالا على العملية السياسية في البلاد قاطبة.
وأشار بوليفة إلى أنه على المجلس أن ينأى بنفسه طواعية ودون الحاجة إلى تدخل أي جهة أخرى عن كل ما يمت بأدنى صلة إلى التشكيك في نزاهة وشفافية وسرية العملية الانتخابية التي اعتاد أن يقوم بها في مواعيدها بكل فخر واعتزاز.
ووفق مراقبين فإن مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح سوف يمضي نحو تشكيل حكومة جديدة وسط متذرعا بحالة المجلس المرتبك، ناهيك عن حالة الاستقطاب الحاد، وتدخّل الحكومة في طرابلس الدبيبة في توجيه مسار الانتخابات عبر ممارسات عدة، منها ما يأخذ طابع الترغيب كدفع مبالغ مالية، أو الوعود بمناصب.
مناقشة حول هذا post